
والقى العبسي كلمة بعد الانجيل عدد فيها مآثر الفقيد على صعيد الوطن وفي الشأن الكنسي. وقال : "ها نحن اجتمعنا في هذه الرتبة الجنائزيّة الخاشعة لنرافق بالصلاة مع الكنيسة أخانا المنتقل رياض سلامة في عودته إلى البيت الأبويّ، إلى الملكوت السماويّ. اجتمعنا بألم المحبّين وحزنهم بلا شكّ ولكن اجتمعنا بفرح المؤمنين أيضًا، لأنّنا أبناء القيامة نؤمن بقول يسوع: "أنا القيامة والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا". اجتمعنا لنضع بين يدي الخالق هذا الابن البارّ رياض سلامة الذي أحبّ الله والكنيسة والوطن بعمق، تاركًا خلفه سيرة عطرة ومسيرة حافلة بالإنجازات والقيم".
أضاف :"فقيدنا المنتقل الغالي رياض ابن بعلبك، نجل الصحافي والشاعر الكبير يوسف فضل الله سلامه، صاحب «جوبيتر» و«العصر»، ووريثُ ديوان «هياكل الشمس». حمل في دمه عَبق الكلمة وشغف الفكر، فجمع بين إرث الأب في الأدب وتحصيل الابن في العلم، مُتوَّجًا بـماجستير في الاقتصاد من الجامعة الأميركيّة في بيروت. وما كان كلّ ذلك لينسيه، في كلّ مفاصل حياته، أنّه ابن بعلبك العظيمة فظلّ متمسّكًا بجذوره وهوّيته البعلبكيّة، رافضًا نقل نفوسه إلى بيروت، كأنّما أراد أن يرسل رسالة مفادها: "جذوري ثابتة في أرض الأجداد".
في مسيرته المهنيّة، كان سيّدًا في محراب المال والاقتصاد، لم يكن مجرّد مصرفيّ، بل كان مدرسة في الحكمة والرصانة والشجاعة. قاد مسيرة مصرفيّة طويلة، تولّى خلالها مناصب قياديّة رفيعة، كـالمدير التنفيذيّ لمصرف "سيتي بنك الأميركيّ" لمنطقة الشرق الأوسط، ورئيس، ونائب رئيس، ومدير عامّ لعدّة مصارف لبنانيّة، فكان فيها علامة فارقة في صياغة السياسات والاستراتيجيّات الماليّة، حتّى إنّه أصبح مرجعًا اقتصاديًّا محترمًا تُنصت إليه الأسواق المحلّيّة والدوليّة. ولمـّا كان الإيمان هو البوصلة، سخّر علمه لخدمة الكنيسة والوطن. كان صديقًا ومستشارًا للمثلّث الرحمة البطريرك مكسيموس الخامس، ومستشارًا ماليًّا للأبرشية المارونيّة في بيروت. وبفضل نصائحه الثاقبة، التي أتت في أشدّ الأزمات، لا سيّما فترةِ انهيار الليرة اللبنانيّة في الثمانينات، جنّب هذين الجانبين الكنسيّين مخاطر ماليّة كبرى. هذه هي قمّة الأمانة: أن تخدم الله والكنيسة بعلمك ومعرفتك".
وتابع :"تجسّد إيمان الراحل العميق في عطائه وكرمه، فلم يكن خادمًا لقطاعه المهنيّ فحسب، بل كان خادمًا لأخيه الإنسان ولكنيسته. انطلق في خدمته الإنسانيّة من موقعه كـنائب مدير كاريتاس، فكان العونَ للمحتاجين بصمت وتفانٍ. ولم يتوقّف عطاؤه عند هذا الحدّ، بل كان ركيزة ثابتة في المجلس التنفيذيّ في المجلس الأعلى لكنستنا لسنوات كثيرة، يخدمها بشغف والتزام. وشهدت جدران الكنائس على كرمه، إذ أسهم بفعاليّة في بناء وترميم وتجميل كنائس عديدة، وعلى رأسها بازيليك القدّيس بولس في حريصا وكنيسة القيامة في سنّ الفيل. وتقديرًا لخدمته الجليلة وعطاءاته المتواصلة للكنيسة، نال عن جدارة وسام القدّيس سيلفستروس برتبة كومندور من قداسة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني. كان إيمانه رسالة حياة، ترجمها إلى عمل ملموس في خدمة الربّ والإنسان.
كان فقيدنا مثالًا للرجل الذي عاش إيمانه في تفاصيل حياته اليوميّة. كان يتميّز بـعمق إيمانه وحرصه على حضور القدّاس الإلهي كلّ يوم أحد مع عائلته، وعلى غرس هذا الإيمان الحقيقيّ في قلوب أولاده وأحفاده من خلال القدوة الصالحة والسيرة الحسنة. كان صاحب شخصيّة فذّة ومستقلّة، بعيدًا عن كلّ التيارات والأحزاب، رافضًا التعصّب والتبعيّة. عاش حياته برقيّ، عُرف بـنزاهته، ووطنيّته، واعتداله، وإنسانيّته، وشجاعته. أدّى دوره كزوج وأب وجدٍّ بمحبّة وهدوء، ناقلاً إلى عائلته القيم والإيمان والالتزام.
يقول الكتاب المقدّس عن مثل هؤلاء الأشخاص في يوم وفاتهم: "مغبوط السبيل الذي تسير فيه فقد أُعدّ لك مكان الراحة". وتقول الكنيسة في صلواتها إنّ الصدّيق يُذكر بالمديح. رجاؤنا أن يكون أخونا المنتقل رياض قد سمع هذا الكلام اليوم وهو يدخل الفرح السماويّ، سمع صوت السيّد يقول له لقد كنتَ أمينًا في القليل سوف أقيمك على الكثير أدخل إلى فرح ربّك.
على هذا الرجاء، باسم إخوتي السادة الأساقفة المشاركين وخصوصًا راعي الأبرشيّة سيادة المتروبوليت جورج بقعوني، وباسم الكهنة الحاضرين، وباسمي الشخصيّ أقدّم التعازي القلبيّة الحارّة إلى زوجة المنتقل الغالي السيّدة الكريمة هدى، وإلى أولاده الدكتور جهاد والقاضية أماني والسيّدة ريم وعائلاتهم، وإلى جميع أفراد العائلة، وإلى الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء، وإليكم جميعًا أيّها الأحبّاء.
ومعكم أرفع الصلاة إلى الله تعالى أن يتغمّد فقيدنا الغالي رياض سلامة برحمته، وأن يسكنه في ملكوته السماويّ مع الأبرار والصدّيقين، مرنّمين مع الكنيسة: "فليكن ذكره مؤبّدًا".
والقت كلمة العائلة ابنة الفقيد القاضية اماني سلامة شكرت فيها البطريرك العبسي وسائر الحضور.