
لا تتعجَّبوا ، إنْ رأيتم الأحداث العاصفة تتراكم عليكم ، والآفات تتزاحم ولا علاج ...
أنتم يا رَعاكُمُ الله ، ، مَنْ هـمْ رُعاتُكم ، حكّامكُمْ ، قادتكُمْ ، أولياء الأمر ، أصحابُ القامات والهامات والرؤوس التي لا تنحني ...؟
من أيّ مدرسة وطنية تخرَّجوا ، من أي ثقافة سياسية اقتبسوا ، من أكاديمية أيّ أفلاطون ...؟
هذا الجسم الثقيل الذي تخرج من ميدان حرب 1975 مقاتلاً بالخناجر طعناً في البطن والظهر ، هو الذي انتقل إلى ميدان البرلمان مشرّعاً باسم الشعب ، والى مرابع السلطة حاكماً باسم الشارع ، شارعٍ في مواجهة شارع ، واحدٍ يحمل هوّيـة المنطقةِ الشرقية ، وآخر يحمل هويـة المنطقة الغربية ، ولا تزال الشرعية عندنا شرعيةَ الشارعين .
تتعجَّبون ...! أَليسَ أنّ كلَّ استحقاقٍ دستوري عندنا ، ينقسم البرلمان حوله إلى شارعين ، كل واحدٍ يتحصّن خلف أكياس من الرمل ، ولا يتحقّق استحقاق إلاّ بتهويل خارجي وتهديدٍ دولي وترويض .
أليسَ أنّ كلَّ مشكلة عندنا على بساطتها تتحوّل إلى خلاف ، وكلّ قرار يتحول إلى عراك ، وكل عراكٍ يحتاج إلى موفدين دولِـيّين لفكِّ
الإشتباك ، وكلّ مشروع قانون ، أو اقتراح قانون يخضع لدستورَيْـن .؟
بعد الثورة الفرنسية وحكومة المديرين وسيطرة نابوليون على الحكم ، كان "لوسيان" شقيق نابوليون رئيساً لمجلس الخمسمئة ـ أيْ مجلس النواب ـ وحين حاول نابوليون انتهاك شرعية هذا المجلس وضع شقيقـهُ لوسيان سيفه في صدره وأقسم على قتله إن هو حاول المساس بالحرية الدستورية في فرنسا .
بعد ذلك راحت تتردّد في المحافل الفرنسية عبارة : "أن الدستور يجب أن تكون له قداسة الأناجيل ..."
الدستور عندنا يصبح مقدّساً كالأناجيل والمصاحف حسب المصالح ، ثمّ يتحوّل إلى مادة للشعوذة والتكفير بما يشبه (كتاب الأمير ـ لميكيافيلي) القائم على الخداع السياسي والوصول إلى الغاية بوسيلة شرعية أو غير شرعية .
إنقسمنا على أنفسنا حول دستور الأناجيل ودستور المصاحف ، وقسمنا بهما القوانين والمواطنين ، حتى في بلاد الإنتشار قسمنا اللبنانيين في أميركا ، بين أميركا "نيويورك ، وأميركا ميشغن" .
وماذا عن القضية الأكبر والأخطر ...؟ ماذا عن السلاح وحصرية السلاح ...؟
الحكم يتمسّكُ بالمقاومة الدبلوماسية ، وحزب الله يتمسك بالمقاومة العسكرية... فأي خطاب سنعتمد : خطاب قسم رئيس الجمهورية ، أو خطاب الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله .
في إطار التشاور مع بعض الزملاء الإعلاميين بلغ عندنا الظنّ أن يكون هناك تفاهمٌ ضمني بين الحكم والحزب ، وإلاّ فلا يعقل أن يكون هناك استخفاف بالمخاطر التي تداهم لبنان ، عسى أن يكون هذا الظن صادقاً .
تتعجبون ...؟ تعجَّبوا ، لبنانياً : مع جبران خليل جبران ... "ولكم لبنانكم" عربياً : مع الشاعر عمر أبو ريشة : في قوله :
تتعجّبون ، ومِـلْءُ ماضيكُمْ فجاءاتٌ طريفَه ...
أَنسيتُمُ ما كان مِـنْ ساداتهم يـومَ السقيفَه ...
تركوا النبيَّ على فراشِ الموتِ وانتخبوا الخليفَه .
عـن جريـدة الجمهورية
بتاريخ : 31/10/2025