أخبار ساخنة

لبنانيون ... ولكنْ الوزير السابق جوزف الهاشم


جاء في كتب التاريخ ، أنّ الشاعر الفرنسي "لامرتين" عندما زار الشرق قال: "وجدتُ في مصر حاكماً ولم أجدْ شعباً ، ووجدتُ في لبنان شعباً ولمْ أجدْ حاكماً."
ماذا ... ألاَ نزالُ نفتقدُ حكمَ الحاكم ، فإذا كلّ شأنٍ عندنا ثنائي : الحكمُ حكمان، الدولة دولتان ، الوطن وطنان ، والشعب في الثنائيات شعوبٌ وعشائر ...؟
      هل يعود بنا المشهد التاريخي إلى ما قبل الإستقلال : ثلثُ لبنان سوري ، وثلثُه الآخر فرنسي ، والثالث يتجاذبُه الجانبان ...؟
هناك جدلِّيةٌ غامضة لا تزالُ تُطرحُ في أذهان المراقبين : هل العلاقة التي تربط شيعةَ لبنان بدولة إيران ، وسنَّـة لبنان بالدول العربية ، ومسيحيّي لبنان بدول الغرب ، ودروز لبنان بجبل السويداء وفلسطين ، والعلويين في لبنان بالعلويين في سوريا ...؟
      هل هذه العلاقة التي تربط طوائف لبنان بمثيلاتها خارج لبنان ، هي التي تزعزع الترابط فيما بينها داخل لبنان ، فيشكّل الإنتماء الطائفي جدليةً متضاربة مع الإنتماء الوطني ...؟
      البيئة الجغرافية : هي العاملُ الأكبر في تكييف الشعوب وتحديد مصيرها القومي ، وهي التي تكوّنُ كياناً شعبياً مميّزاً وكياناً مميّزاً في الحضارات .
      الموارنة في لبنان هم غير الموارنة في قبرص ، وهكذا شأن المسلمين في الهند ، فإذا كان الأساس واحداً ، إلاّ أنّ البيئة الجغرافية مختلفة ، وهناك علاقة تراثية بالأرض لا يمكن فصلُها عن الإنسان ، "وهي تدخل في تكوينهِ البيولوجي والنفسي كما يقول إين خلدون" .
      يمكن أن تشكِّلَ الصلةُ الطائفية بين الداخل والخارج تفاعلَ غنىً في الشأن الحضاري والتراثي الإنساني ، من دون أنْ تؤّدي إلى تناقض تاريخي وانقسام وطني.

  يقول الشاعر بشارة الخوري "الأخطل الصغير" : "إذا شئنا أنْ يكون لنا وطنٌ مستقلّ ، فعلينا ألاّ نبيع إبـنَ وطننا المسلم بألوف النصارى الأجانب عنّا ، وألاّ نبيع إبـنَ وطننا المسيحي بألوف المسلمين الأجانب عنّا".(1)
          هنا تكمن المشكلة ، المشكلة عندنا هي مشكلة كيانية ، وكلما كان هناك خلاف حول المفاهيم الأساسية للمعنى القومي والسيادة الوطنية نتذرع بالنظام والدستور ، ونهوّلُ بالحرب الأهلية .
      السيادة حسب إعلان حقوق الإنسان الفرنسي 1789 : هي مبدأ مصدرُهُ الشعب ، وعندما لا يتوحّد الشعب كلُّ الشعب حول مفهوم واحد للسيادة ، يصبح هناك خللٌ تكويني وتروح معه هواجس المكونات الوطنية تفتّـشُ عن صِيَـغَ بديلة، تنقذ التصادم بالدم .
      عندما اصطدم الرئيس كميل شمعون بالإنقسام اللبناني حول السيادة الوطنية بدافع أجنبي ، راح يطرح الفدرالية(2).
وحين اصطدم الرئيس سليمان فرنجية بالإنقسام الوطني السيادي "إعتبر أنّ الفدرالية هي الحـلّ(3)".
وفي الظروف ذاتها يقول الرئيس الياس سركيس : "إذا لم يعد بإمكاني تحقيق التوحيد ، يجب الإتجاه نحو تركيبةٍ تنتظـمُ في داخلها وحداتٌ طائفية لكلٍّ منها استقلالها الذاتي"(4) .
      هذا لا يعني : أنني أدعو إلى الفدرالية نظاماً ، بقدر ما أعني وجوب تحاشي المحاذير ، لنجمع فدرالياتنا الجغرافية والطائفية والعقائدية في إطار الوطن السيد الفدرالي الواحد الذي هو الحلّ .
      وإنني أعني ما عناه "مارتن لوثر كينغ" الذي قاد مسيرة الإحتجاج على الفصل العنصري بين السود والبيض في أميركا فقال : "علينا أنْ نتعلم العيش معاً كأخوة وإلاّ فسوف نهلك معاً كأغبياء ..."

 ـ الأخطل الصغير ـ الأعمال النثرية : ص . 253 .
2 ـ شمعون : الفدرالية وإلا وقع التقسيم : جريدة الأحرار : 25/11/1978 .
3 ـ مذكرات فؤاد بطرس : 14/3/1978 .
4 ـ كريم بقرادوني : السلام المفقود : ص. 158 .
 
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ  : 1/8/2025