أخبار ساخنة

سيف الدولة الوزير السابق جوزف الهاشم


بين رئيسٍ للجمهورية قائد ، ورئيس حكومة إنتخبتْـهُ الأُمـم المتحدة رئيساً لمحكمة العـدل الدولية ، تكاملت الرئاستان : رجـلٌ يحمل سيفَ السيادة ، ورجلٌ يحمل سيف العدالة .
في كتابـه : "حـدّ السيف" برزت ثقافة الجنرال ديغول : في الحرب والحكم والسياسة والإجتماع .
وفي وطـنٍ مضروبٍ بسيفه ، لا سيادة ولا عدالة ولا ريادة ، حين برزت ملامح هذا الحكم ، هتفتْ لـه أصواتُ الشعب ومنحتـه ثقـةً قلّما كانت لثنائي من قبل ، وهبَّتْ مواكب الدول تقدّم التهنئة والمساعدة والدعم .
لبنان يتمتّع بخصوصية دولية ، ولأنّـه في تكوينه الحضاري النموذجي يشكّل مثالاً عالمياً لتعدّدية المجتمعات ، راحت الدولُ الشقيقة والصديقة تقـدّم لنا النصائح والحلول لإنقاذ هذا اللبنان ، ونحن كنّا نتهاوى في غيبوبة وطنية ونهرْولُ وراء المجهول ... أسوأُ صفعـةٍ يَنْدى لها الجبين ، أنْ يقول لنا الآخرون كونوا لبنانيين.
      ألَـمْ نخجل من لبنانيتنا ، عندما نـرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكتب في سجلّ القصر الجمهوري : "إنّ لبنان أكبر من حجمه الجغرافي ..." وقد جعلناه نحن أصغر من حجمه التاريخي ...؟
      وحتى لا ننسى كما نسينا من قبل ، ها هو لبنان اليوم ، والمشهد شاخصٌ أمامنا : لقد تحطّم وتـدمّى ، تأجّـج وتلظّى ، تدمّر وتشظّى ، تهجّر وتفجَّر ، وكم من مـرّة بعد سيتكرّر هذا المشهد ...؟ مع أيّ جيلٍ وفي أيِّ مستقبل وزمان ...؟ بأيِّ بصيرةِ عيـنٍ ننـظرُ إلى هذا اللبنان اليوم ، وبأيِّ شراهة عين ننظـر إليه فريسةً حكومية نتناتشُها حصَصاً ...؟
      عندما انتُخب بشارة الخوري رئيساً بعد صراعٍ شرسٍ بينـه وبين إميل إده قال : " أريد أن أجمع كلّ عداوت الماضي وأُضرمُ فيها النار ... فبادلَ إميل إده المبادرة بمثلها "(1) .
      هكذا تكون المبادىء السياسية والممارسة الديمقراطية ..."مبدأ النظام الديمقراطي هو الفضيلة" كما يقول "منتسكيو" ، وفضيلة النظام الديمقراطي هو

الدستور ، الذي يحـدّد القواعد بين الحاكم والمحكوم ، وبين الفرد والدولة ، وبين الحريّـة والسلطان .
      هذا الدستور ، حمله الرئيس المكلّف نـواف سلام بين يديـه الممدودتين إنفتاحاً في الإستشارات النيابية ، وبعد لقائه الرئيس نبيـه بـري قال : "أنا ودولة الرئيس نقرأ في كتاب واحد ..." وهذا الدستور هو الوديعة التي يرثُـها الرئيس جوزف عـون عن فؤاد شهاب .. إنـه الكتاب .
      عندما نقرأ كلُّنا في كتاب وطنّي واحد ، تبطل حاجتنا إلى التعلُّق بلغة الكتاب الأجنبي .
      بلغة الكتاب الوطني أعلن رئيس الحكومة المكلّف أنـه سيؤلف الحكومة ، أيْ : ليس على غرار ما سبَقَ من حكومات غالباً ما تكون مخلوقاً عجائبياً : مجموعة وزراء في حكومة واحدة ، بعضُها يعارض بعضَها ، وبعضُها موالٍ لمـن عيّنَـهُ ، يأتـمر بأوامر صاحب النعمة .
      عندما يكون هناك مسؤولون على مستوىً عـالٍ من النزاهة والترفّع والضمير الوطني ، يصبح تأليف الحكومة نابعاً من مصلحة الوطن ، لا من مصلحة أصحاب المحسوبيات والسمسرة وشهوة الصفقات .
      يقول كمال جنبلاط : "إنّ الرئيس سليمان فرنجية عند تكليف تقي الدين الصلح رئاسة الحكومة طلب منه أن يختار هو أسماء الوزراء ليوقِّـع المراسيم دونما اعتراض (2) .
      رئيس الحكومة المكلف قال في إطلالته الأخيرة لدى خروجه من القصر الجمهوري " أنا من يشكّل الحكومة ولستُ صندوق بريدٍ لأحد ..."
      إذا ألَّـف الرئيس المكلف هو الحكومة ... تكون هناك حكومة لدولة ، وإذا ألّفوا همُ الحكومة تكون الحكومة صندوق بريـد ... وتظلّ الدولةُ ضريحاً من رُخام نكتب عليه أسماء أجدادنا ونزورهُ كل عـامٍ في الأعياد الرسمية .

 – بشارة الخوري – وليد عوض ، الجزء الأول ص : 290
2 – كتاب كمال جنبلاط : "حوارات صحافية" : ص : 248 – جريدة المحرر : 17/11/1974.
 
عن جريدة الجمهورية
بتاريح : 24/1/2025