أخبار ساخنة

عدم إجراء «البلديّة» ليس لأسباب ماليّة بل لاستمرار الفساد الحكومة تثبت فشلها في الإصلاح... وتوجّهها نحو مزيد من انهيار المؤسسات


كتب كمال ذبيان


اثبتت السلطة في لبنان فشلها، وهي تكرره وتستمر بنهجه، ومعها من يدّعي المعارضة او يدعو الى «التغيير»، مع الاتجاه نحو التمديد قانوناً للمجالس البلدية والاختيارية، حيث تمارس حكومة تصريف الاعمال والمستقيلة برئاسة نجيب ميقاتي دور تهديم المؤسسات، من خلال عدم تمكنها من تأمين موازنة بقيمة 9 مليون دولار، كمصاريف لوجستية لاجراء الانتخابات البلدية، التي دعا اليها وزير الداخلية بسام مولوي بدءا من 7 ايار المقبل والتزم بالقانون، وطلب من وزارة المال كما من رئاسة الحكومة تدبير المبلغ، ليأتيه الجواب بان لا مال في خزينة الدولة، ولم يبق من احتياط فيها، فانكشف الافلاس، الذي ظهر قبل ذلك ايضاً في مسألتين: الاولى عدم دفع متوجبات لبنان للامم المتحدة بمبلغ حوالى 1.2 مليون دولار، وفي الثانية النقل التلفزيوني لـ»المونديال» الذي جرى في قطر نهاية العام الماضي، وكانت الكلفة بحدود 3 ملايين دولار، اضف الى ذلك فقدان الطوابع التي تستفيد منها الخزينة كرسوم مالية، وكذلك القرطاسية وانقطاع الكهرباء، تطبيقاً لمواصفات «الدولة الفاشلة» بكل سلطاتها، والتي لا ينعم مواطنوها بالسعادة، اذ هي مصنفة بعد الصومال «كدولة تعاسة»، وقد كثر فيها الانتحار بين المواطنين وكذلك الاكتئاب واليأس.


هذه «الدولة الفاشلة»، يهرب المسؤولون فيها من صلاحياتهم ومهامهم، عندما تعلن عن عدم وجود تمويل لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، وهو امر يدعو الى السؤال اين هي «قوى التغيير»؟ لا سيما من سموا انفسهم «ثواراً»، وادّعوا انهم سيسقطون الطبقة السياسية الحاكمة، وامل المواطنون ان يحدث ذلك منذ انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول 2017، لكن آمالهم تبددت، وفق ما يؤكد ناشط سياسي شارك بفعالية في الساحات، فاذا به «يكفّر» مَن استغلوا «الثورة» وحققوا مصالحهم في الانتخابات النيابية وغيرها، ليتبين له بان هناك مشغّلا لمن كانوا يقطعون الطرقات، ويقيمون في الساحات، مع تأكيده على احقية المطالب، وغضب الناس من الوضع القائم بفساده ونهبه للاموال، لكن لم يتوفر لمن خرجوا منتفضين قيادة وبرنامج ينهيان تحكم «زمرة فاسدة»، وقوى رجعية طائفية ومذهبية، وادوات لمشاريع خارجية.

لذلك، فان «الفوضى الخلاقة» هو ما انتهى اليه من حرّكوا الشارع، اذ كان هو الهدف ان تسقط «الدولة»، ليتقدم مشروع التقسيم وطروحات «الفدرالية»، وسقوط «صيغة التعايش بين اللبنانيين»، من خلال شعار «لكم لبنانكم ولنا لبناننا»، او ما توقعته نائبة وزير الخارجية الاميركية للبنان بربارا ليف هو التفكك الذي يتحقق فعلياً، اذا فقد الجيش والقوى الامينية ادوارهم، واصبحوا في وضع لا يمكنهم الحفاظ على ما تبقى من الاستقرار والامن، حيث تستمر هذه الاجهزة بقوة الامر الواقع، وحسن قياداتها وتدبيرهم لشؤونها.


والتمديد للبلديات والهيئات الاختيارية، سبق وحصل منذ العام 1967 الى 1998 بالقانون، وهو ما قد يلجأ اليه مجلس النواب، قبل انتهاء ولاية المجالس الحالية في 31 ايار المقبل، وهذا يتطلب توافقاً نيابياً يجري العمل عليه، يقول مرجع نيابي بارز، الذي يكشف عن سر وهو ان الكتل النيابية والقوى السياسية تظهر في العلن بانها مع الانتخابات، ولكنها ضمناً ضدها لاسباب سياسية، تتعلق لمن ستكون النتائج ومن ستتبع، ولتأكيد الحضور الشعبي والتمثيل السياسي والحزبي والطائفي، لهذا الطرف او ذاك.

فازمة عدم اجراء الانتخابات ليست مالية، وتوجد ابواب لتأمين المبلغ، وقد تطلبه الحكومة هبة من جهة ما داخلية او خارجية، ويمارس اللبنانيون الديموقراطية في اختيار مجالسهم المحلية، التي هي على تماس مع قضاياهم في مدنهم وبلداتهم، انما المسألة تتعلق بالسيطرة والهيمنة السياسية الفئوية، ليخرج السياسيون والاحزاب ويدّعون انتصارات، كل فريق على فريق آخر، حتى ضمن العائلات، التي ما زالت تعتمد عُرفاً في تمثيلها في الاستحقاق البلدي والاختياري.


فعدم اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، بعد تمديد لها عام في ايار 2022، تذرعاً بانها تزامنت مع الانتخابات النيابية، اثبات على انحلال المؤسسات، وتأييد لمجالس بلدية منذ العام 1998، او نجحوا في دورات لاحقة، مع ظهور فساد في ادائها يتعلق ببيع اراض اميرية (مشاعات) او تسجيلها زوراً لاشخاص او لبناء عليها، كما ظهر مؤخراً في عدد من البلدات بتواطؤ من رؤساء بلديات وامنيين وغطاء احزاب، حيث تلغي هذه الظاهرة التي تعود الى عقود لاجراء الانتخابات، اضافة الى الاثراء غير المشروع الذي ظهر على رؤساء بلدية واعضائها، حتى موظفين وشرطيين فيها، وهذا ما يفرض اجراء الانتخابات، التي يجب ان تكون من ضمن حركة الاصلاح التي لم تحصل، والتي تثبت بان الحكومة لا تعمل بهذا التوجه، بالرغم من دعوات دول وهيئات الى ان تسلك هذا الطريق، لانه يوصل للانقاذ، وتحديداً المالي، اذ بوجود بلديات بمجالس ورؤساء اكفاء ويتمتعون بالنزاهة، يمكن للحكومة ان تجبي آلاف مليارات الليرات.