أخبار ساخنة

والسُمُّ أحياناً يكون دواءَ الوزير السابق جوزف الهاشم


   مَـنْ هُـمْ هؤلاء الذين يبثّـون السُمَّ في الأوكار الأميركية ...؟
      وهل هناك أفاعٍ أخرى تحمل سموماً أخرى إلى أوكار أخرى ...؟
      هناك من يصدّرون السموم ...
      وهناك من يستوردون السموم ...
      وبتصدير السموم واستيراد السموم ، يستقيم عندنا الميزان الوطني التجاري.
      كلّهم جميعاً ، لا يعرف واحـدٌ منهم بيتاً واحداً من الشعر ، فإذا هم كلُّهم جميعاً باتوا يعرفون بيت الشاعر القائل :
      ولربّما انتفعَ الفتى بعدوِّهِ      والسُمُّ أحياناً يكونُ شِفاءَ
      لكثرة ما تزايدت السموم على الألْسنة في التخاطب والتحاور والتناحر : على المنابر والشاشات والساحات ، لم يعـد من الممكن أن نعالجَ السُمَّ بالترياق ، لأنّ مادة الترياق في العراق لا تشكل فائضاً عن الإستهلاك المحلّي ، ولا مجال لاستيرادها.
      لو أن الذين يحاربون أعداءهم بالسمّ يتحلّون بشيء من أنانية الحكمة ، لكانوا يتمثَّلون بالإسكندر ذي القرنين ، الذي قال : "إنتفعتُ بأعدائي أكثر مما انتفتُ بأصدقائي ، لأن أعدائي كانوا يكشفون لي عيوبي فأستدركها ، وكان أصدقائي يزيِّنون لي أخطائي فيشجّعوني عليها ..."

 ولكنّ الذي يتَّصفُ بالحكمة يجب أن يكون لـه قرنان إثنان ليتشبَّه بالإسكندر لا أن يكون وحيدَ القرن .
      ليس مطلوباً أن تكون الألسنة مؤمَّمـة للسلطة : إمّـا أنْ تَنْطِقَ بالحْمـدِ ، وإمّا أنْ تُقْفل بالشمع الأحمر .
      ولكن ليس معقولاً أن تكون مسمَّمـةَ بالنميمة والأباطيل على غرار التنظيمات النازية التي تستخدم الخطاب التخويني إلى جانب الشتائم البذيئة لمحاربة الخصوم ، أو كمثلِ أصحاب الحركات الإيديولوجية ، فإذا لم تكن معهم ، تكون خائناً وعميلاً ، ولا يتورّعون عن استخدام الدين كمسدّسٍ كاتمٍ للصوت .
      أكثر الذين يُرشَقُون بالخطيئة عند بـثّ الضغائن والسموم ، هم المسيحيون ولا سيما منهم الموارنة ، ألَـمْ يقُلْ لهم المسيح : "مَـنْ يغضب على أخيه باطلاً يستوجب الحكم ، ومن قال لـه يا أحمق يستوجب جهنم (1) ...؟"
      لعلّها تلك الجهنّم المارونية التي استشْعرَ لهيبَها العماد ميشال عون يوم كان رئيساً للجمهورية .
      في العمق المسيحي التاريخي تذْكُـر الروايات أن المسيحية كانت منتشرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام : في العراق والحجاز ومكّـة والطائف ونجران وبعض قريش وفي اليمن ، وإنّ قبيلة الغساسنة اليمنية كانت تمسح ألسنة الأطفال عند الولادة ببعضٍ من العسل حتى تظل الألسنة تستطعم حلاوة الكلام ، من هنا اشتهرت بالشجاعة والمروءة ومكارم الأخلاق .

 مثلما تذْكر كتبُ التاريخ : أن اليهود هم أول الذين استخدموا السُـمّ مادةً للقتل ، وقد أخذها عنهم معاوية عندما استخدم السُـمّ لاغتيال الإمام الحسن .
      يمكن أن يكون السمّ شفاءً في إحدى الحالتين :
      الحالة التي وصفها الإمام الخميني بأنها تناقضُ مصلحةَ بلاده فقال : "ويـلٌ لي لأنني أتجرَّع السُمَّ بموافقتي على اتفاقية وقف النار" عندما قبل بالقرار الأممي (598) القاضي بوقف النار بين إيران والعراق في تموز 1988 .
      والحالة الثانية : عندما تجرع سقراط السمّ : لأنه اتُّهم زوراً بالهرطقة والإساءة إلى التقاليد الدينية وإفساد الشباب بأفكاره .
      ليس ما يمنع الذين لا يتَّهمون زوراً بالهرطقة الوطنية والإساءةِ إلى الدين وإفساد أفكار الشباب ، مِـن أنْ يطبخوا السمّ ويأكلوه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ متى : 5 ـ 22
 
عن جريـدة الجمهورية
بتاريخ : 21/11/2025