
تعالوا ، إلى كلمة سواء لنعترف بأنّ المشكلة الحصريّة ليست بالسلاح وحصريّـة السلاح أو بالسلاح حصراً ، فلا مجال للمواجهة بسيوفٍ تتكسَّرُ في الهواء.
المشكلةُ هي مشكلة حكمٍ وسلطةٍ ونفوذ ...
قادةُ المقاومة يدركون أكثر من الذين يتفلسفون عليهم ، أنَّ التّقلبات العسكرية والتحوّلات الإقليمية والدولية ، وآفـاق الإمدادِ التسلّحي وانقطاع أواصر التواصل بين الساحات ، خلقت واقعاً جديداً واختلالاً جسيماً في موازين الميادين.
ولا نظنّهم يجهلون ، وهُم المتفوّقون بالخبرة الجهادية ، أنّ السلاح اليوم وحتى يقضي الله أمـراً كان مفعولاً ، لم تعُـدْ لَـهُ وظيفةٌ قتالية مرحليّة في الجنوب ، لا للدفاع ولا للهجوم ولا للإسناد ، وإنّ أي مغامرة قد تعرّض الجنوب وأهله وسائر لبنان على غرار ما يجري في غير مكان .
كمثل ما زَلَّ لسان الدكتور سمير جعجع عندما اعتبر أنّ تعديل قانون الإنتخاب لتمكين المغتربين من انتخاب 128 نائباً في لبنان يؤمّن لـه كسْباً إنتخابياً راجحاً ، هكذا كان جواب النائب علي حسن خليل ، عبر حلقة تلفزيونية بأن هناك أيضاً من يتحصّن بما يؤمّن لـه نفوذاً سياسياً وانتخابياً .
ليس غريباً القول : إنّ حزب الله على مدى العقود الماضية تمكّن من أن يكون هو الحاكم الفعلي إلى جانب الحاكم الشرعي ، سواء بواسطة السوريين حين كان هناك سوريون ، أو بواسطة حكم الرئيس ميشال عون حين كان في الحكم عونيّون.
وليس من السهل على حزب الله بما كان يتمتّع بـه من تفوّق ، أن تنزع السلاح من يديـه ، وكأنك تنزع منه السلطة على طريقة : ما لقيصر لقيصر وما للّه لله .
لقد استطاع الحزب بذكاءٍ بارع أن ينتقل في شكلٍ تصاعدي من حالـةِ الركودِ إلى حالة النهوض ، مستفيداً من تغافل الحكم عن انتهاز الفرصة السانحة لتركيز سلطته يوم كان في عـزّ وهجه تأييداً ، وتأتي على الحكّام فرَصٌ إذا لم يتم التقاطُها في اللحظة المناسبة فلن تكون هناك فرصة أخرى مشابهة لها .
وفي ما يُعرف بامتحان جسّ النبْض بما هو فعلٌ وردّة فعل ، استطاع الحزب أن يتسلّق المراحل مدعوماً بالحوافز المنشِّطة من قبل كبار المسؤولين الإيرانيين ، فسجّل الإنتصار لنفسه على قرار الحكومة حول حصرية السلاح ، وسجّلت الحكومة انكساراً لنفسها على صخرة الروشة بما عبّـرَ عنه الشاعر بالقول :
"كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنَها ..."
المشكلة لا تتعلّق بحصرية السلاح ما دام السلاح مخزوناً تحت الأرض ... ولا تتعلق باستراتيجية الأمن القومي ، إذا لم تكن هناك حصريـة الإيمان بإعادة بناء الدولة والإلتفاف جميعاً حولها وفي كنفها ، وعند سقوط الدولة تطرح معادلات أقلّها : "حـلّ الدولتين" .
نحن اليوم أمام معادلات وكأننا نجعل منها معجزات ...
الحزب يتمسك بالسلاح ويطالب الدولة بإعادة الإعمار ...
الدولة تفتقر إلى المال ، والقوى الداعمة تشترط تسليم السلاح ...
الحزب يرفض تسليم السلاح حتى المواجهة الكربلائية إلا بعد انسحاب إسرائيل ...
وإسرائيل ترفض الإنسحاب ما دام الحزب يتمسك بالسلاح حتى المواجهة التوراتية .
فأين الحلّ إذاً ...؟ بالدولة أو بالحزب ... وإلى أين المفـرّ ... إلى أحضان الحزب أو إلى أحضان الدولة ... أو إلى أحضان الحرب ...
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ، فلا تتحقق إرادة الحياة بصخرة الروشة ، بل بصخرة سعيد عقل التي تُرنِّمهـا فيروز :
ليْ صخرةٌ عُلِّقَتْ بالنجمِ أسكنُها طارتْ بها الكُتْبُ قالتْ تلكَ لبنانُ .
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 3/10/2025