كثيرون ، سمعوا بكلمة "الخنفشار" ، أو الخنفشاري أو الخنفشارية ...
وقليلون هم الذين يعلمون مصدرَ الكلمة وفحواها ومحتواها ...
وترجع حقيقةُ الأمر ، إلى ما وردَ في الروايات عنْ شيخٍ كان يدّعي معرفة كلِّ شيء ، فما سأَلـهُ الناس عن أمـرٍ إلاّ أجاب مستنداً إلى كُتُـبِ العلماء والشعراء ، فاتّفق بعض المشكّكين على امتحانه ، واختار كلُّ واحدٍ منهم حرفـاً في شكلٍ عشوائي وجمعوا الحروف فكانت كلمة "خنفشار" وهي لا معنى لها ... ولما سألوه عنها قال فوراً : الخنفشار هو نباتٌ من اليمن قال عنه الشاعر إبن البيطار إنّـه حـارٌ ورطب ، وقال الطبيب داود البصير ، إنّـه يزيل خفقان القلب ، ومما ورد في الحديث النبوي ، وهنا قاطعه سائلوه وقالوا : كذبتَ يا شيخ على الأطباء والشعراء ، فلا تكذب على النبيّ... وشرحوا لـه القصة فخجل من نفسه .
ما رأيكم ... بكل هذه الخنفشاريات الوطنية والسياسية والدستورية التي يعاني منها لبنان ، وبهذا الكذب الفاحش على الأحياء من الناس وعلى الشهداء الأحياء ، كما على الأنبياء .
ما رأيكم ...؟ بهذا الإستحقاق الرئاسي الخنفشاري ... وبهذه الجمهورية اللبنانية الخنفشارية ، وبنوابٍ وقـادةٍ وزعماء خنفشاريين ...
وكأنّ لبنان التاريخي ، هو مجموعة من الحروف تـمّ اختيارها عشوائياً من أجـل امتحان وطنيّة اللبنانيين ...
بفضل هذه الخنفشارية أصبح لبنان أسيراً مكبَّلاً بالسلاسل ، تجـرّهُ أذيالُ الخيول الشاردة في الساحات الإقليمية ، وهو يفتّش عن فارسٍ يرفعه إلى صهوات الخيل .
كلُّ حـدَثٍ أو هوَسٍ في المنطقة يـرتدُّ عاصفاً على لبنان ، فيختلط فيه الشأن الداخلي والإقليمي والدولي والسياسي والسيادي والدستوري ، ويختلط الشعب قوميّاً بالشعوب النازحة ، وتختلط الهويّـةُ بالهويّـة ، والدماء النازحةُ بالدماء النازفة .
هكذا ، يتمّ الغـدرُ بالنسْرِ بواسطة سهْمٍ قـدْ صُنِـعَ من ريشهِ .
ولكن ، ماذا عن الحـلّ ...؟
هلْ علينا ، أنْ نتجرّع السُمَّ اتّكالاً على الترياق يأتينا من العراق ، في انتظار حـلّ كـلِّ ما يجري في المنطقة من تقاتلٍ وقتال ، وعربدةٍ وعُنْف ، ومواجهات ومغامرات ومجازر ... وأبشرْ بطـولِ سلامـةٍ ، وأنت في غرفـة العناية الفائقة تعاني من المـوت السريري .
في الخيار : بين الموت والحـلّ .. يكون الحـلّ بالحـلّ ، ويكون الدواء بالَّتي كانت هي الـداء .
إذا كان المجلس النيابي - يا رعـاه الله – سيّـدَ نفسـه ، فهو سيّـدٌ بوكالةٍ شرعية من الشعب ، فالشعب ليس عبداً لهذا المجلس السيّد ، حتى لا يحـقَّ للعبد أنْ يختار سيـدَه .
تلحظ المـادة 29 من الدستور "أنّ هناك أحوالاً تُفقـدُ معها الأهلية للنيابة .."
ولست أدري أحوالاً أشـدّ خطراً من الأهوال التي تسبّبها اليوم عـدم الأهلية للمجلس النيابي .
إذا لم يكن هناك رئيس للجمهورية تخـوّلُـه صلاحياته الطلب إلى مجلس الوزراء حـلّ مجلس النواب لأسبابٍ تتخطى في خطورتها المادتين : 65 و 77 من الدستور ، فلا يستطيع هذا المجلس أنْ يخدعنا بتفسيراتٍ دستورية على غرار كلمة "الخنفشار"، بل عليهِ أنْ يحـلّ نفسهُ خجلاً من نفسه ، أوْ أنْ يدعو إلى انتخابات نيابية مبكّرة ، قبل أن يصبح الوطن مقبرةً للأحياء .
في أوائل ، 1939 أعلن المفوض الفرنسي "غبريال بيـو- Puaux" حـلّ المجلس النيابي والمجلس الوزاري ، وشكّل مجلس مديرين برئاسة أمين سرّ الدولة "عبدالله بيهم" معلِّلاً عمله بمساويء الحكم النيابي .
ماذا ... هل ننتظر انتداباً فرنسياً ، أو حكْماً سورياً ، لنُنقـذَ أنفسَنا من الموت السريري ...؟
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 7/6/2024