أخبار ساخنة

حكومة "المفرّق" والشغل "بالقطعة" تعمل للإفقار وليس للإنقاذ الأزمة بدأت مُنتصف التسعينات بإسقاط الدولة لصالح الشركات الخاصة


كتب كمال ذبيان
    يتدحرج الوضع المالي، ويتأزم الاقتصاد، وتتضاءل القيمة الشرائية، ويزداد الفقر، ويتجه لبنان نحو مزيد من الانهيار والكوارث، اذ لا توجد حلول لوقف التدهور الذي لا نهاية له، مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار امام الليرة اللبنانية، حيث تستمر الازمة بالتفاقم، وهي لم تبدأ منذ نحو اكثر من ثلاث سنوات، بل بدأت منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، مع الحكومات التي ترأسها رفيق الحريري الذي ذهب الى بعض الدول، يطلب منها مساعدات ومكرمات وقروض، دون ان تستثمر الاموال بمشاريع استثمارية منتجة، سوى اعادة اعمار بيروت عبر شركة "سوليدير" وبعض البنى التحتية، دون الالتفات الى الاقتصاد المنتج والانماء المتوازن واللامركزية الادارية.
   ففي العام 1997، بدأت تظهر معالم الازمة، التي اسست لها سياسة الاستدانة بفوائد عالية، بما سمي "سندات الخزينة" على فائدة 42.5%، من اجل استقرار سعر صرف الليرة على 1500 مقابل الدولار، دون دعم الصناعة والزراعة بما يعززها، حيث بدأت تتراكم الديون على لبنان، الذي كانت سلطته تعمل فقط لتسديد خدمة الدين، والذي لم يكن على لبنان دين خارجي، بل دين داخلي لا يلامس المليار دولار.
   فالازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لم يُعمل على حلها ما بعد اتفاق الطائف، ولم تتغير وظيفة لبنان الاقتصادية، وفق اكاديمي اقتصادي، الذي يرى بأن الازمة بنيوية في الاقتصاد كما في النظام السياسي، فالاول بني على الريع والربح السريع والسمسرة والفساد، والثاني على الطائفية وكسب المغانم من نظام المحاصصة، والارقام طائفية حول اعداد المسلمين والمسيحيين، والاكثرية العددية والاقلية الطائفية.
    فمثل هذا النظام السياسي، والاقتصاد الذي يقال عنه حر، تغيب الديموقراطية ويفقد العدالة الاجتماعية، ولا بدّ من تغيير جذري فيه، بعد ان اثبت وخلال قرن من ولادة "لبنان الكبير"، و80 عاماً على الاستقلال، بأنه توأم الازمات والاقتتال والحروب، الا في فترات هدنة تفرضها مصالح دول، وتسويات داخلية بدعم خارجي.
   من هنا، فان الازمة ليست بانتخاب رئيس للجمهورية ولا تشكيل حكومة او انتخابات نيابية، وهذا كله كان قائماً، بل الازمة في النظام الطائفي الذي ينتج زعماء طوائف، ويؤسس لاحزاب طائفية، وعلى اسمه تطالب الطوائف بحقوقها، فلا وجود لحقوق المواطن فيه. فلم يرد في الدستور نصوص طائفية لا في توزيع السلطات، ولا سمى للطوائف رئاسات، ولم يحدد وظائف للطوائف سوى ما اوردته المادة 95 منه، والتي كانت حالة مؤقتة في استخدام الطائفية، التي هي علة العلل، على ان تلغى لاحقاً.
    ففي الازمة التي يمر بها لبنان، وهي الاكثر كارثية والاصعب والاعقد منذ القرن التاسع عشر، في وصول اللبنانيين الى خط الفقر بنسبة 5%، والافلاس الذي اصاب موازنات الدولة، التي لم يعد امام الحكومة الحالية المستقيلة وتصرّف الاعمال، سوى اللجوء الى افقار يومي للمواطنين، حيث لم تقم بالحد الادنى من واجباتها، بل فشلت في ادارة الازمة ووقف التدهور، حيث تلجأ الحكومة بما لها من صلاحيات في ظل شغور رئاسة الجمهورية، الى فرض الرسوم والضرائب والى "دولرة الاقتصاد"، في وقت لم تتغير الرواتب والاجور على سلم متحرك وبقيت بالعملة الوطنية، بل كل ما فعلته الحكومة هو اجراءات ترقيعية، باعطاء راتب او راتبين للموظفين وبدل نقل، دون ان تتمكن من لجم ارتفاع سعر الدولار، وتثبيت سعر الصيرفة، فوقع لبنان بهذا الكم من الازمات، يقول الاكاديمي الاقتصادي، الذي لا يرى ان خطة التعافي الاقتصادي ممكنة في ظل ازمة دستورية وسياسية مستفحلة بين الاطراف اللبنانية، التي تدعوها الدول المعنية بلبنان، ان يكون الحل لبنانياً وتلبنن الاستحقاق الرئاسي، وتوقف الفساد وتنفذ خطة اصلاحات لم تبدأ بعد، وهي مطلوبة منذ عقود.
     لذلك، فان الازمة الى تصاعد، حتى لو حصل الاتفاق السعودي ـ الايراني، والذي ستكون له نتائج ايجابية على لبنان، اقله فك الاشتباك بين الطرفين على ارض لبنان، الا ان هذا لا يعيد الاموال المنهوبة للمودعين من المصارف، ولا يفتح ملفات الفساد والهدر، ولا يستعيد المبالغ المسروقة من خزينة الدولة، او عبر الشركات الرديفة التي انشئت في موازاة ادارات الدولة تحت عنوان الخصخصة، التي استفاد منها من هم في السلطة واولادهم واحفادهم وازلامهم ومحاسيبهم.
    فالحكومة التي تصرّف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي، لم تنفذ شعارها وهو "معاً للانقاذ"، بل معاً للافقار، وهي تعمل بالمفرق وعلى القطعة، فلم تنجح في ان تقدم خطة متكاملة، حتى من سبقها من حكومات، التي كانت تقود لبنان الى الهلاك، وقد جرى تحذير للرئيس رفيق الحريري بان نهجه الاقتصادي سيؤدي الى سقوط الدولة امام الشركات، وهو ما يريده صندوق النقد الدولي من الدول، بحرمان مواطنيها من رعايتها الاجتماعية وتحويلها الى الشركات الخاصة، فيستبدل الضمان الصحي بشركات التأمين، وهو ما كان سيفعله الحريري وفشل في الضمان الاجتماعي.